Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

الخازني عالم الفيزياء الذي نسيناه ....الأدب العلمي العدد الثلاثون


د. عمار محمد النهار

كانت همة علماء الحضارة العربية شاملة ، إذ لم يتركوا علماً إلا وبرعوا فيه ، ومن تلك العلوم : الفيزياء ، التي كانت تعتمد على الفلسفة أو التأملات والأفكار المجردة ، إلى أن جاء علماء العرب فجعلوها علماً يستند إلى التجربة والاستقراء .
فلقد اهتم علماء الحضارة العربية بعلم الصوت وبحثوا في منشئه وكيفية انتقاله، فكانوا أول من عرف أن الأصوات تنشأ عن حركة الأجسام المحدثة لها وانتقالها في الهواء على هيئة موجات تنتشر على شكل كروي، وهم أول من قسَّم الأصوات إلى أنواع، وعللوا سبب اختلافها عن الحيوانات باختلاف طول أعناقها وسعة حلاقيمها وتركيب حناجرها. وكانوا أول من علل الصدى وقالوا إنه يحدث عن انعكاس الهواء المتموج من مصادقة عالٍ كجبل أو حائط، ويمكن أن لا يقع الحس بالانعكاس لقرب المساحة فلا يحس بتفاوت زماني الصوت وانعكاسه . وتوصلوا إلى معرفة كثافة بعض العناصر، وكان حسابهم دقيقاً مطابقاً - أحياناً - لما هو عليه الآن أو مختلفاً عنه بفارق يسير. وكانت بحوثهم في الجاذبية مبتكرة، وتوصل بعضهم إلى أن هناك شيئاً من الخلل في حركة القمر يعود إلى الجاذبية وخواص الجذب، وقد كانت هذه الدراسات على بساطتها ممهدة لمن أتى بعدهم ليكتشف قانون الجاذبية ويضع أبحاثها في إطار أكثر علمية. كما بحثوا في الضغط الجوي، وكان لهم بحوث شائقة في الروافع، وقد تقدموا في هذا الشأن كثيراً، وكانت لديهم آلات كثيرة للرفع كلها مبنية على قواعد ميكانيكية تيسر عملية جر الأثقال.
واستخدموا موازين دقيقة جداً، وكان الخطأ في الوزن لا يعدو أربعة أجزاء من ألف جزء من الغرام. وكتبوا في الأنابيب الشّعريَّة ومبادئها، وتعليل ارتفاع الموائع وانخفاضها، مما قادهم إلى البحث في التوتر السطحي وأسبابه. واخترعوا كثيراً من الأدوات الدقيقة لحساب الزمن والاتجاه والكثافة والثقل النوعي. كما بحثوا في كيفية حدوث قوس قزح وسرعة الضوء والصوت، وعرفوا أيضاً المغناطيس واستفادوا منه في إبحارهم(1).
ولنا أن نقول: إن من أهم مؤشرات تطور أمة من الأمم اليوم، هو مدى ما تعلم وتتقن من العلوم، وخاصة الفيزياء التي أصبحت استخداماتها تدخل كل شيء، وإن نظرة بسيطة دقيقة صادقة إلى فيزياء اليوم ستظهر لنا أن أصولها وجذورها هي مصادر الحضارة العربية، فهي إذن نتيجة جهود علمائنا الذين تعبوا ليل نهار حتى وصلوا إلى ما أوصلوا العالم إليه. ألا يستحق أولئك أن نستعيد لهم حقهم الذي يغفله كثيرون في الشرق والغرب بين جهل وجحود؟؟!!.

التعريف بالخازن
إنه عبد الرحمن الخازن أبو الفتوح (ت 550ه/ 1155 م) ويقال له أيضاً الخازني، برع في العلوم والفلك والهندسة، امتاز ببحوثه في علم الحيل (الميكانيكيا)، التي أبدع فيها كثيراً. كان الخازن في صغره غلاماً لرجل يدعى علي الخازن المروزي، فترعرع في ظله ودرس في مدينة مرو أشهر مدن خراسان على أيدي كبار العلماء هناك. ويخلط كثير من المؤرخين بينه وبين الحسن بن الهيثم، إذ عرف الغربيون ابن الهيثم (بالهازن) وهناك تشابه كبير في كتابة الاسمين بالإنكليزية ( Alhazen ) و( Alkhazen) وفرقهما حرف لاتيني واحد هو ( K). توفي الخازن سنة 550 ه / 1155 م. وصنَّف كتباً غاية بالأهمية، مثل: ميزان الحكمة الذي يعد من أجلِّ ما أُنتج من الكتب في بابه عبر التاريخ الوسيط، وصنَّف الزيج المسمى المعتبر السنجري، وعمل الأزياج (أي الجداول الفلكية).
ولقد بنى الخازن كتابه: «ميزان الحكمة » على البراهين الهندسية، وكانت مسلماته نقطة الانطلاق في مؤلفات علماء النهضة في أوروبا، ومرحلة سابقة لكل من جاليليو في مؤلفه: (محاورات حول علمين جديدين)، وإسحق نيوتن في عمله الكبير: (المبادئ الرياضية)، ومن هذه المسلمات:
- الأجسام الثقال قد تتساوى أثقالها وإن كانت مختلفة في القوة مختلفة في الشكل
- الأجسام الثقال مختلفة القوى؛ فمنها ما قوته أعظم، ومنها ما قوته أصغر،
- كل مسافتين يقطعهما متحركان في زمانين متساويين، فإن نسبة إحدى المسافتين إلى الأخرى كنسبة قوة المتحرك في المسافة المستوية إلى قوة المتحرك الآخر،
- كل خط ينقسم بقسمين متساويين ويعلق في طرفيه ثقلان متساويان، فإن ذلك الخط إذا علق بالنقطة القاسمة له بنصفين، وازى الأفق.
- إن معرفة أوزان الأثقال المختلفة المقادير، تكون بتفاوت أجرام رطوبات يغاص فيها الموزون رقة وخثوراً(2).
وفي الأسطر الآتية تفاصيل ملفتة عن عالمنا الخازن، يبر عنها قول قدري طوقان: «لا أظن أن عالماً أصابه الإهمال كالخازن، ولا أظن أن الإجحاف الذي لحق بمآثره لحق بغيره من نوابغ العرب وعباقرتهم » (3).

إبداعات الخازن وإنجازاته العالمية :
يرى المؤرخون أن بحوث الخازني كانت أساساً بنى عليه العلماء فيما بعد بعض الاختراعات كالبارومتر ( 4)، ومفرغات الهواء، ومضخات المياه. فكثيرة هي إبداعات هذا العالم الفذ الألمعي، لكن الغريب أن الإهمال قد نالها، فنادراً ما أُشير إليها، وقليلون من انتبهوا إلى عظمها، وعلى كثرتها سنتحدث عن نماذج عنها، كميزان وزن الأجسام في الهواء والماء، والسرعة والبعد، وكثافة الماء، والثقل النوعي، والجاذبية، وكتابه ميزان الحكمة.

-ميزان وزن الأجسام في الهواء والماء :
ولعلنا هنا ننصف هذا العالم، فمن أهم إبداعاته المنسوبة إلى غيره، ابتكاره ميزاناً لوزن الأجسام في الهواء والماء، له خمس كفَّات تتحرك إحداها على ذراع مدرج، وبالتالي بحث في وزن الهواء وكثافته والضغط الذي يحدثه.
فقد ثبت في كتاب (ميزان الحكمة) للخازن من بين المواد التي تناولها بالبحث مادة الهواء ووزنه، ولم يقف عند هذا الحد، بل أشار إلى أن للهواء وزناً وقوة رافعة كالسوائل، وإن وزن الجسم المغمور في الهواء ينقص عن وزنه الحقيقي، وأن مقدار ما ينقصه من الوزن يتبع كثافة الهواء. وبيَّن الخازن أيضاً كما مر معنا أن قاعدة أرخميدس لا تسري فقط على السوائل، بل تسري على الغازات أيضاً، وأبدع من خلال ذلك في البحث في مقدار ما يُغمر من الأجسام الطافية في السوائل. ولا شك أن هذه البحوث هي الأسس التي بنى عليها العلماء الأوروبيون فيما بعد الاختراعات الهامة، كالباروميتر، ومفرغات الهواء، والمضخات المستعملة لرفع المياه. ولا يجهل طلاب الطبيعة أن الفيزيائي الطبيعي الإيطالي إيفا نجلستا توريشللي (ت 1057 ه / 1647 م) ( 5) بحث في وزن الهواء وكثافته والضغط الذي يحدثه، وأن له قوة رافعة كالسوائل، وأن الجسم المغمور في الماء ينقص من وزنه الحقيقي، وأن مقدار ما ينقصه من الوزن يتوقف على كثافة الهواء، وقد مر على هؤلاء الطلاب في تاريخ الطبيعة أن توريشللي المذكور لم يُسبق في ذلك، وأنه أول من وجه النظر إلى مثل هذه الموضوعات، وبحث فيها وأشار إلى منزلتها وشأنها. بل إن من الأوروبيين من ينسب كل إبداعات الخازن إلى عالمين آخرين هما: الرياضي الفيلسوف الفرنسي بليز باسكال (ت 1075 ه / 1664 م)، والكيميائي الإيرلندي روبرت بويل(ت 1103 ه / 1691 م)، مع أن الواقع يكذب ذلك حسب ما ثبت في كتاب الخازن (ميزان الحكمة) الذي شوهدت محاولات لإخفاء كثير من مضامينه(6).
وعلى أية حال هناك من المنصفين من اعترف بسبق الخازن، ومنهم المستشرق الإيطالي ألدومييلي الذي يقول: «الخازني قد استعمل ميزان الهواء لتعيين الثقل النوعي للسوائل بكل نجاح » (7).
ويقر (روبرت هول) أيضاً أن الخازني قد اخترع ميزاناً لإيجاد وزن الأجسام في الهواء والماء (8).

-السرعة والبعد :
ومن إبداعات الخازن المنسوبة لغيره ما يثير الدهشة، إذ بيَّن كتابه )ميزان الحكمة( أنه كان يعلم العلاقة الصحيحة بين السرعة التي يسقط بها الجسم نحو سطح الأرض، والبعد الذي يقطعه، والزمن الذي يستغرقه، وهي العلاقة التي تنص عليها القوانين والمعادلات، والتي يُنسب الكشف عنها إلى جاليليو في القرن الحادي عشر للهجرة / السابع عشر للميلاد. وكان الناس يعتقدون، منذ زمن أرسطو وحتى نهاية القرن السادس عشر الميلادي، أنه إذا أسقط جسمان مختلفا الكتلة من نفس الارتفاع وفي نفس اللحظة، فإنَّ الجسم الأثقل يرتطم بالأرض أولاً. لكنَّ العالم الإيطالي جاليليو لم يكن يعتقد صحة هذا، وبنى رأيه على التفكير المنطقي التالي: إذا أسقط حجران لهما نفس الكتلة جنباً إلى جنب فإنهما يسقطان معاً بنفس السرعة، فلو أنَّ الحجرين التصقا معاً، لوجب أن يسقط هذا الجسم بنفس السرعة أيضاً. أي أنَّ الحجر المنفرد يسقط بنفس السرعة التي يسقط بها الجسم الأثقل المكوَّن من حجرين ملتصقين. وقد خالف علماء آخرون جاليليو، وتحكي القصَّة المتواترة كيف أنه أثبت نظريته حوالي عام 1590 م بإجراء تجربة عند برج بيزا المائل الشهير. تقول القصة إن جاليليو صعد إلى قمة البرج ومعه قذيفتا مدفع إحداهما كبيرة والأخرى صغيرة، وأسقطهما معاً في نفس اللحظة، فوصلتا إلى الأرض في نفس الزمن تقريباً. وكان الاختلاف الزمني بينهما صغيراً ولا يتوافق مع الفرق الكبير بين وزني القذيفتين. ولقد أرجع جاليليو هذا الفرق بين زمني وصول القذيفتين إلى مقاومة الهواء. وسواء أصدقت قصة إجراء جاليليو لهذه التجربة أم لا، فإن تعليله لنتيجتها يظل صحيحاً(9).

-الكثافة العظمى للماء :
الكثافة الكتلة: أي مقدار المادة الموجودة في حجم الوحدة لأي مادة، وتُستخرج كثافة المادة بقسمة كتلتها على حجمها. وتقاس كثافة السائل أَو الجسم الصلب بعدد الغرامات الموجودة في السنتيمتر المكعب الواحد، بينما تقاس كثافة الغاز بعدد الغرامات في اللتر الواحد. ويمكن تحديد تركيز المادة في المحلول بقياس كثافة هذا المحلول. وقياس الكثافة مفيد في التعرف على المعادن، والأجسام الصلبة الأخرى. وبالإِمكان حساب الوزن الجُزَيئي للغاز، من خلال كثافته. أما كثافة السائل فيمكن تحديدها بقياس الكتلة المطلوبة لملء حاوية معروفة الحجم. وفي أكثر الحالات يُستخدم لهذا الغرض جهاز معروف حجمه بدقة ويُسمى مقياس الكثافة. فمن عبقريات الخازن أنه بحث في الكثافة العظمى للماء عندما يكون قريباً من مركز الأرض، وجاء بعده روجر بيكون (ت 647 ه /
1249 م) بعد قرنين من الزمن وبحث في هذا الموضوع نفسه(10).

-الثقل النوعي عند الخازن وعلماء الحضارة العربية :
للخازن نصيب وافر جداً من الاختراعات والاكتشافات الهامة والدقيقة، والتي لم ينتبه إليها كثير من مؤرخي العلوم، وقد أهمل الكثيرون التعرض لذكره مع إنجازاته في كتبهم، ومن أبرز إبداعاته أنه أول من أبدع الثقل النوعي، وأبدع جهازاً لمعرفة الثقل النوعي لبعض المعادن والأحجار، ووضع نسباً لها، وذلك بدرجة فائقة من الدقة، وقد بحث المسلمون في الثقل النوعي وقدروا عدداً من الأجسام تقديراً يطابق ما قدّره العلماء المعاصرون لنا أو ما يقاربه، مع أنه لم يكن لديهم آنذاك من الآلات ما يسهل عليهم هذه المهمة. وكان العرب أول من وصل إلى نسب حقيقية بين وزن الأجسام المختلفة وبين وزن الماء، ولعل سند بن علي الذي بلغ أشده أيام الخليفة العباسي المأمون ( 199 – 218 ه / 814 - 833 م) أول من بحث في الثقل النوعي، وكذلك اشتغل ابن سينا (ت 428ه / 1037 م) بتجارب كثيرة لاستخراج الثقل النوعي لمواد مختلفة عديدة.
أما العالمان اللذان كان لهما فضل عظيم في هذا الباب فهما البيروني والخازن، أما أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني (ت440 ه / 1048 م) فقد حدد الثقل النوعي باستعمال جهازه المخروطي الذي يمكن عدَّه أقدم مقياس للكثافة، وكان البيروني يزن المادة التي يريد دراستها بعناية، ثم يدخلها بعد ذلك في جهازه المخروطي المملوء بالماء، ثم يزن الماء الذي تحل محله المادة التي أدخلها، والذي يخرج من الجهاز بواسطة ثقب موضوع في مكان مناسب، فالعلاقة بين ثقل المادة وثقل حجم مساو لها من الماء تحدد الثقل النوعي المطلوب، ونستطيع أن نقدر هذه الدقة في طريقة البيروني ومهارته في إجراء التجارب. وقد استخدم الخازن في قياساته للثقل النوعي جهازاً مشابهاً للجهاز الذي سبق أن استخدمه البيروني في تعيين الثقل النوعي للمواد الصلبة، وهو عبارة عن وعاء مخروطي الشكل ذي مصب بالقرب من فوهته يتخذ شكل ميزاب يتجه نحو الأسفل، ويمكن الإمساك به بواسطة عروة. وتجري طريقة العمل بهذا الجهاز على النحو التالي:
- يملأ الوعاء بالماء حتى غاية مصبه.
- توزن المادة التي يطلب تعيين ثقلها النوعي وزناً دقيقاً.
- تدخل المادة موضوع القياس إلى داخل الوعاء.
- عند تمام انفجار المادة في ماء الوعاء، يكون حجم الماء المزاح الذي ينصب من الميزاب مساوياً لحجم المادة الجاري تعيين ثقلها النوعي، وبذلك يكون قد تم قياس حجم المادة.
- يوزن الماء الذي قامت المادة المغمورة بإزاحته من الإناء المخروطي الشكل.
- يجري حساب الوزن النوعي للمادة بإيجاد النسبة بين وزن المادة التي أدخلت في الإناء المخروطي، ووزن كمية الماء التي أزاحتها المادة عند تمام غمرها في ماء الإناء.
وقد أورد المستشرق الإيطالي ألدومييلي جدولاً مقارناً بين قيم الثقل النوعي لبعض المعادن والأحجار الكريمة كما عينها كل من أبي الريحان البيروني وعبد الرحمن الخازن مقارنة مع ما وصل إليه العلم الحديث، نثبته فيما يأتي:
كما استخرج الخازن الثقل النوعي للسوائل، والجدول الآتي يبين ذلك مع مقارنة نسبته بالنسب الحديثة المستخرجة وفقاً لأحدث الأجهزة الإلكترونية:
ويجب أن نعد النسب التي وصل إليها الخازن دقيقة جداً لأن الاختلاف بين ما وصل إليه وبين ما وصل إليه العلماء المعاصرون، يمكن تعليله بأن مياه البحر مثلاً تختلف في مقدار الأملاح التي فيها اختلافاً كبيراً بين بحر وآخر، وكذلك الثقل النوعي لحليب البقر فهو يختلف بين بقرة وأخرى تبعاً للمرعى، ونحن لا نعلم اليوم أي مياه البحار اختبرها الخازن، ولا عدد البقر التي أجرى عليها تجاربه، مع العلم أن نسبة الخطأ في نسب الخازن لا يتجاوز 6 من الغرام في كل ألفين ومئتين غرام (11).

-الخازن والجاذبية :
تكلم الخازن في أبحاثه عن الجاذبية، وأوضح أن الأجسام تتجه في سقوطها إلى الأرض، وقال: «إن ذلك ناتج عن قوة تجذب هذه الأجسام باتجاه مركز الأرض »، ورأى الخازن أن اختلاف قوة الجذب تتبع المسافة بين الجسم الساقط وهذا المركز، فقال: «إن التثاقل واتجاه قواه إلى مركز الأرض دائماً .» وأظهر الخازن العلاقة بين السرعة التي يسقط بها الجسم نحو سطح الأرض، والبعد الذي يقطعه، والزمن الذي يستغرقه، وهي العلاقة التي تنص عليها القوانين والمعادلات، وقد بنى دراسته هذه على التجارب والقياسات العلمية (12).
وشرح الخازن هذه الفكرة في كتابه ميزان الحكمة، إذ أكَّد على العلاقة بين سرعة الجسم والمسافة التي يقطعها والزمن الذي يستغرقه. وقال إن الثقل هو القوة التي بها يتحرك الجسم الثقيل إلى مركز الأرض، وأن الجسم الثقيل هو الذي يتحرك بقوة ذاتية أبداً إلى مركز الأرض فقط. وأنه إذا تحرك جسم ثقيل في أجسام رطبة فإن حركته فيها تكون وفق رطوباتها؛
فتكون حركته في الجسم الأرطب أسرع. وإذا تحرك في الجسم الرطب جسمان متساويان في الحجم متشابهان في الشكل مختلفان في الكثافة، فإن حركة الجسم الأكثر كثافة فيه تكون أسرع. كما أن الأجسام الثقال قد تتساوى أثقالها، وإن كانت مختلفة في القوة والشكل؛ فالأجسام المتساوية الثقل هي التي إذا تحركت في جسم واحد من الأجسام الرطبة من نقطة واحدة، كانت حركتها متساوية؛ أي أنها تقطع في أزمنة متساوية مسافات متساوية. والأجسام المختلفة الثقل هي التي إذا تحركت على هذه الصفة كانت حركاتها مختلفة(13).

-كتاب ميزان الحكمة :
ظهرت جل إبداعات الخازن في كتابه (ميزان الحكمة) في الفيزياء (الميكانيكا)، وهو الأول من نوعه بين الكتب القديمة العلمية القيمة، وقد يكون هو الكتاب الوحيد المعروف الذي يحتوي على بحوث مبتكرة جليلة لها أعظم الأثر في تقدم هذا العلم، وقد قال عنه جورج سارتون: «إنه من أجلِّ الكتب التي تبحث في هذه الموضوعات، وأروع ما أنتجته القريحة في القرون الوسطى .» وفي قصة ظهور كتاب الخازن «ميزان الحكمة» ما يثير الريبة والتحفظ، فقد أتم الخازن كتابه عام 516 ه / 1122 م، ثم ضاع الكتاب حتى عثر عليه القنصل الروسي كانيكوف في تبريز بإيران في منتصف القرن التاسع عشر، وكتب عنه عدة مقالات في إحدى المجلات الأمريكية، ثم كان العلماء الألمان أكثر العلماء اعتناءً بهذا الكتاب، وبخاصة ويدمان الذي قدم فصولاً مترجمة منه. ثم بدأت الأبحاث تتالى عن هذا الكتاب في مجلات أوروبا العلمية، وفي الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت تنشر منه فقط بعض المقتطفات، مما أثار الريبة في نفوس الباحثين، ويستغرب قدري طوقان من ذلك قائلاً: «ولا بد لي في هذا المجال من إبداء دهشتي لعدم نشر فصول هذا الكتاب النفيس في كتاب خاص، ولا أعلم سبب ذلك، ولعل السؤال الذي يتبادر إلى الذهن لماذا نُشرت بعض محتويات الكتاب وأُهملت الأخرى؟! »(14). يقع هذا الكتاب في مقدمة ومقالات ثمان هي:
- المقدمة: في الموازين وفوائدها وصورها. والمقالات الثمان هي:
- في المقدمات الهندسية والطبيعية التي يُبنى عليها الميزان الجامع.
- في بيان الوزن واختلاف أسبابه.
- في النسب بين الفلزات والجواهر.
- في ذكر موازين الماء التي ذكرها الحكماء المتقدمون والمتأخرون وأشكالها والعمل بها.
- في صنعة ميزان الحكمة وتركيبه وامتحانه.
- في اتخاذ الصنجات المخصوصة، ثم كيفية العمل بها، والتمييز بين الفلزات المختلفة بالمنقلتين.
- في ميزان الصرف وتقويمه على كل نسبة مفروضة، ووزن الدراهم والدنانير بصنجات أختها.
- في ميزان الساعات(15).
وما استهجنه، أنَّني لم أسمع أن دولة عربية أو إسلامية قد طالبت باستعادة كتاب (ميزان الحكمة) للخازن، وكأن القضية لا تخصهم، وكأنهم قد زهدوا عن هؤلاء العلماء، والأمثلة كثيرة في هذا المجال، والتي تثير مشاعر الحسرة والألم على تراث أجدادنا. وأخيراً: وأمام هذا التضييع لإنجازات أجدادنا، علينا أن نعمل على هدفين:
الأول: إثبات أن هذه الإنجازات هي أصول العلوم التطبيقية الحديثة اليوم..
والثاني: توثيق إنجازات أجدادنا هذه ونشرها رسمياً كي لا تتعرض هي الأخرى للانتهاك والسرقة وتُنسب إلى الآخرين. ولا يغيب عن بال أحد أهمية الفيزياء في وقتنا الحالي، ولو عمدنا إلى استعراض هذا العلم عند الغربيين، فسنجد بما لا يدع مجالاً للشك أن أصوله تعود للمصادر العربية، وأن الغربيين قد أفنوا أوقاتهم في دراستها(على عكسنا نحن)، ولو لم تكن إنجازات أجدادنا بهذه الأهمية القصوى لما درسوها ودرَّسوها في جامعاتهم عبر مئات السنين، ولما عقدوا عنها المؤتمرات تلو المؤتمرات، وهذا عالمنا الفيزيائي ابن الهيثم لا يزالون يقدسون كتابه (المناظر) وينطلقون من الإبداعات التي يتضمنها ... ولا يزالون يعتمدون على إنجازات العالم الفلكي الصوفي، بل إنهم بادروا إلى تسمية أقمار صناعية باسمه، أما نحن!! فلا يزال أكثرنا يجهل أسماء علماء تراثنا، ومن يعرفها يجهل إبداعاتهم العالمية.

الهوامش :
(1) دور علماء الحضارة العربية الإسلامية في تأسيس العلوم الحديثة (الأصول الرياضية والفيزيائية): عمار محمد النهار، دمشق، دار البركة، ط 1، 2011 م، ص 63 - 66 .
 (2) انظر عنه تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك: قدري طوقان، جامعة الدول العربية، القاهرة، 1954 م، ص 316 . أعلام الفيزياء في الإسلام: علي الدفاع، جلال شوقي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 2، 1985 م، ص 249 - 251 . أعلام الحضارة العربية الإسلامية: زهير حميدان، دمشق، وزارة الثقافة، 1996 م، ج 2، ص 26 - 30 . موسوعة الأوائل والمبدعين: شوقي أبو خليل ونزار أباظة، دار المنبر، ج 4، ص 726 ، 727 . الموسوعة العربية العالمية ) الخازن - العلوم عند العرب والمسلمين(.
(3) تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك: طوقان، ص 316 .
(4) جهاز لقياس الضغط الجوي. تستخدم مراكز الأرصاد الجوية البارومتر لمعرفة التغيرات في ضغط الهواء. وكثيراً ما تعني هذه التغيرات أن الطقس سيتغير. ويمكن استخدام البارومتر أيضاً لقياس الارتفاعات المختلفة حيث يقل الضغط الجوي كلما زاد الارتفاع.
(5) ذكرت الموسوعات أن العالم الإيطالي إيفانجليستا توريشلي اخترع البارومتر عام 1643 م. وكان جهاز توريشلي يتكون من أنبوب زجاجي طويل وضعه مقلوباً وهو مملوء بالزئبق، في كوب من الزئبق فانخفض عمود الزئبق في الأنبوب، وأصبحت قمته على ارتفاع 76 سم فوق سطح الزئبق الذي في الكوب. وظل الزئبق ثابتاً في الأنبوب نتيجة لضغط الهواء على سطح السائل في الكوب. وبذلك أثبت توريشلي أن الضغط الجوي يعادل تقريباً وزن عمود من الزئبق طوله 76 سم.
(6) تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك: طوقان، ص 316 . أعلام الفيزياء في الإسلام: الدفاع وشوقي، ص 249 - 251 . أعلام الحضارة العربية الإسلامية: حميدان، ج 2، ص 26 - 30 . موسوعة الأوائل والمبدعين: أباظة وأبو خليل، ج 4، ص 726 ، 727 .
(7) العلم عند العرب: ألدومييلي، تر عبد الحليم النجار، دار القلم، ط 1، 1962 م، ص 194 - 196 . السبق العربي الإسلامي في الإبداعات الفيزيائية، مجلة جامعة دمشق للعلوم الإنسانية، بحث عمار النهار، قيد الطباعة.
(8) أعلام الفيزياء في الإسلام: الدفاع وشوقي، ص 249 . دور علماء الحضارة العربية الإسلامية في تأسيس العلوم الحديثة (الأصول الرياضية والفيزيائية): عمار النهار، ص 127 ، 128 .
(9) دور علماء الحضارة العربية الإسلامية في تأسيس العلوم الحديثة (الأصول الرياضية والفيزيائية): عمار النهار، ص 130 ، 131 . تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك: طوقان، ص 317 . أعلام الحضارة العربية الإسلامية: حميدان، ج 2، ص 28 . الموسوعة العربية العالمية، بحث قوانين الأجسام الساقطة. السبق العربي الإسلامي في الإبداعات الفيزيائية، مجلة جامعة دمشق للعلوم الإنسانية، بحث عمار النهار، قيد الطباعة.
(10) دور علماء الحضارة العربية الإسلامية في تأسيس العلوم الحديثة(الأصول الرياضية والفيزيائية): عمار النهار، ص 131 . أعلام الحضارة العربية الإسلامية: حميدان، ج 2، ص 26 . الموسوعة العربية العالمية، بحث الكثافة.
(11) أعلام الفيزياء في الإسلام: الدفاع وشوقي، ص 240 - 251 . أعلام الحضارة العربية الإسلامية: حميدان، ج 2، ص 23 - 29 . العلم عند العرب: ألدومييلي، ص 194 - 196 . تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك: طوقان، ص 313 - 317 . موسوعة الأوائل والمبدعين: أباظة وأبو خليل، ج 4، ص 726، 727 . عبقرية العرب: فروخ، 104 - 106 . تاريخ العلوم عند العرب: عمر فروخ، بيروت، دار العلم للملايين، 1970 م، ص 222 ، 223 . تاريخ الأدب العربي: كارل بروكلمان، تر عبد الحليم نجار وآخرون، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993 م، ج 5، ص 294 ، 295 . معجم المؤلفين: عمر رضا كحالة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 1، 1993 م، ج 2، ص 88 . دور علماء الحضارة العربية الإسلامية في تأسيس العلوم الحديثة (الأصول الرياضية والفيزيائية): عمار النهار، ص 127 - 130 . السبق العربي الإسلامي في الإبداعات الفيزيائية، مجلة جامعة دمشق للعلوم الإنسانية، بحث عمار النهار، قيد الطباعة.
(12) تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك: طوقان، ص 317 . أعلام الحضارة العربية الإسلامية: حميدان، ج 2، ص 28 . أعلام الفيزياء في الإسلام: الدفاع وشوقي، ص 241 . موسوعة الأوائل والمبدعين: أبو خليل وأباظة، ج 4، ص 726 ، 727 .
(13) دور علماء الحضارة العربية الإسلامية في تأسيس العلوم الحديثة (الأصول الرياضية والفيزيائية): عمار النهار، ص 125 ، 126 . الموسوعة العربية العالمية، بحث الجاذبية والمغنطيس. السبق العربي الإسلامي في الإبداعات الفيزيائية، مجلة جامعة دمشق للعلوم الإنسانية، بحث عمار النهار، قيد الطباعة.
(14) دور علماء الحضارة العربية الإسلامية في تأسيس العلوم الحديثة (الأصول الرياضية والفيزيائية): عمار النهار، ص 138 - 141 . تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك: طوقان، ص 314 .
(15) أعلام الحضارة العربية الإسلامية: حميدان، ج 2، ص 30 . السبق العربي الإسلامي في الإبداعات الفيزيائية، مجلة جامعة دمشق للعلوم الإنسانية، بحث عمار النهار، قيد الطباعة.






0 comments: