Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

تسرب مغناطيسي أرضي ...الأدب العلمي العدد الثلاثون


د. مخلص الريّس

إن سبب المغناطيسية بشكل عام هو حركة شحنة كهربائية أو حركة شحنات كهربائية (أي سريان تيار كهربائي) ، والكتلة المغناطيسية لجسم ما تعبر عن الشحنة المغناطيسية فيه كما هو مصطلح ، يولّد المغناطيس حوله مجالاً مغناطيسياً بحيث يؤثر بقوة في أي قطعة حديد تدخله وواحدته هي الغوص وأحياناً تستخدم واحدة الأورستيد في القياس ، للأرض مغناطيسية قطبها الجنوبي في الشمال الجغرافي وقطبها الشمالي في الجنوب الجغرافي للكرة الأرضية .
تكونت هذه المغناطيسية ومجالها المغناطيسي كما تقوله إحدى النظريات العلمية من رواسب خامات الحديد ومن ضمنها الحديد النقي ، حيث تمغنطت تلك الرواسب في أحقاب قديمة من عمر الأرض تدريجياً في اتجاه واحد ، فكونت مغناطيساً دائماً كبيراً جداً ، إذن تشكلت مغناطيسية الأرض طبقا لنظرية شائعة ( وهي حركة الشحنات الكهربائية داخل نواة الأرض ) . وسبب نشوء مجال مغناطيسي لها ( وهذا ما حدث فعلاً ) هو توفر ثلاثة عوامل :
1-      وجود كمية كبيرة سائلة من معدنين موصلين كهربائياً هما الحديد والنيكل ، وهذا الشرط متوفر في الأرض حيث توجد طبقة حديدية سائلة تعلو نواة الأرض الصلبة . ومن حركة تلك الطبقة الحديدية وشوائبها (التي تكون بمثابة حامل للشحنة الكهربائية) ينشأ المجال المغناطيسي ، ومعادلات الفيزيائي ماكسويل تُقر هذا المبدأ الفيزيائي .
2-      توفر وجود مصدر للطاقة تعمل على تحريك الطبقة الموصلة السائلة باستمرار .وتنشأ تلك الحركة من حرارة قلب الأرض التي تقدر بنحو 5000 درجة مئوية وهي الباقية منذ نشأة الأرض وكذلك من الحرارة الناشئة من النشاط الإشعاعي لعنصري اليورانيوم والثوريوم الموجودين في أعماق الأرض ، كما تتولد حرارة من عملية التبلور التي تصاحب تصلب الغلاف الخارجي لنواة الأرض .
3-      دوران الكوكب وما يحدث عنها من دوامات باطنية مثلها في ذلك مثل الدوامات التي تحدث في الغلاف الجوي للأرض تحت تأثير قوة كوريوليس . وبتأثير تلك الحركة الدوامية في باطن الكرة الأرضية يصحبها نشوء مجال مغناطيسي ، تتعلق شدة المجال المغناطيسي الكلي على سطح الأرض بكمية وسرعة حركة المعدن السائل الناقل داخلها . تجدر الإشارة إلى أن نسبة ضئيلة من المجال المغناطيسي الأرضي لا يعود مصدرها إلى باطن الأرض ، بل إلى حركة التيارات الكهربائية في منطقة الايونوسفير (Ionosphere)من الغلاف الجوي ، حتى أن بعض العلماء ذهب إلى الاعتقاد بأن حوالي( %3 ) من المجال المغناطيسي الأرضي لا يمكن احتسابه على نظرية حركة السوائل الناقلة في بطن الأرض . بل انه يعود إلى جريان تيارات كهربائية من الأرض إلى الغلاف الخارجي وبالعكس من خلال سطح الأرض، ويُمثل المجال المغناطيسي عادة بخطوط قوة وهمية تتجه من القطب الشمالي نحو القطب الجنوبي دون أن تتقاطع مع بعضها وخارج الأرض ومجتمعة عند القطبين.

هناك نظرية أخرى تقول أن المغناطيسية الأرضية ناشئة من تيارات كهربائية شديدة تسري في القلب السائل الخارجي للأرض بسبب حرارة لبها . ينشأ له مجال مغناطيسي يعمل بدوره على توليد تيار كهربائي ، وهذا بدوره يعمل على إنشاء مجال مغناطيسي ثلاثي الأبعاد طبقاً لقانون أمبير، وتغير هذا المجال الكهربائي يُحدث مجالاً كهربائياً آخر وفق قانون فاراداي في التحريض الكهربائي ، فعندما نحرك مغناطيس بجوار وشيعة يتولد فيها مغناطيس ، وينتج عن كلا المجالين الكهربائي والمغناطيسي معاً قوة لورنتس ، هذه القوة تؤثر بدورها على الشحنات المارة ضمن التيار الكهربائي . ومعادلات ماكسويل تقول إن الكهرباء تولد مغناطيساً وتغيرات مجاله المغناطيسي تولد الكهرباء ، تلك النظرية هي التي يتقبلها كثير من العلماء لأن في إمكانها تفسير انقلابات المجال المغناطيسي للأرض عبر عدة عصور قديمة ، حيث تبين البحوث الجيولوجية أن القطب الشمالي كان قطباً جنوبياً والقطب الجنوبي كان شمالياً ، ومن تلك الانقلابات انقلاب حدث قبل نحو 780.000 سنة واكتشف هذا الأمر من طريقة تنضد ذرات الحديد في الطبقات الجيولوجية للأرض . فعند تشكل الصخور يتكون لها أقطاب شمالية وجنوبية بتأثير المجال الجوي الأرضي. وبعد زوال تأثير المجال المغناطيسي فإن بعض المواد تفقد مغناطيسيتها ، في حين تحتفظ الأخرى من الصخر بجزء منها . وهكذا نرى أن بعضاً من الصخور تحتفظ بالمجال المغناطيسي الذي كان سائداً وقت تكونها لأن بعض أنواع الصخور المصهورة تحم صفات مغناطيسية نتيجة لوجود كميات متفاوتة من المعادن المغناطيسية فيها . أما كيف عرفوا ذلك فمن الصخور المغناطيسية التي تكون منصهرة ثم تتجمد راسمةً شكل واتجاه المغناطيسية الأرضية فتحفظ سجلاً لتأريخ الأرض ، ومهما قصر القضيب المغناطيسي فإنه يبقى يحتفظ بقطبيه الشمالي والجنوبي دوماً ، فلو قطعنا القطب الشمالي لأي مغناطيس فإن قطبه الجنوبي سيولد قطباً شمالياً جديداً والعكس صحيح . ومن هذا يستدل على أن المغناطيسية لذرات الحديد هي صفة في التركيب الذري للمواد المكونة للمغناطيس ، فذراته مرتبة في مجموعات وبصورة متوازية مع بعضهما البعض بشكل قطاعات ، وتفقد المواد مغناطيسيتها عندما تسخن إلى درجة حرارة معينة لأن ذلك يسبب حركة عشوائية للذرات ويفقدها انتظامها ، مما يجعلها تضعف مغناطيسية بعضها البعض . وكأن عملية تسرب مغناطيسي حدثت . كما يمكن أن يفقد المغناطيس مغناطيسيته بالطرق ، لأن الطرق يرفع درجة الحرارة ويزيل المغناطيسية .
يتميز المجال المغناطيسي الأرضي بخاصيتين رئيسيتين : أولهما كونه ثنائي القطب ( القطب المغناطيسي هو الموقع الذي تكون فيه زاوية الميل تساوي º 90). وثانيهما التغير المنتظم لقوة المجال أو كثافة خطوط القوة بين القطبين ، حيث لجميع المناطق الواقعة على خط عرض مغناطيسي واحد نفس زاوية الميل المغناطيس ونفس قوة المجال المغناطيسي في حالة عدم وجود ما يمكن أن يؤثر على الخواص المغناطيسية في هذه المنطقة . بالنسبة للصخور النارية الساخنة إذا فاقت درجة حرارتها العالية درجة حرارة كوري ( Curie Point ) يجعل حركة الذرات فيها مبعثرة وعشوائية ، مما يؤدي إلى انعدام المغناطيسية فيها . أما عند التبريد فإن حركة الذرات واهتزاز نوياتها تقل بسبب قلة الطاقة الحرارية وعندئذ يظهر تأثير المجال المغناطيسي الأرضي على الذرات حيث تبدأ بترتيب نفسها بصورة موازية للمجال المغناطيسي الأرضي . وعندما تنخفض درجة الحرارة أكثر يصبح من الصعب على الذرات أن تتحرك بصورة مخالفة لاتجاه المجال الأرضي . وبذلك تخزن أو تحفظ اتجاه المجال المغناطيسي في ذلك الوقت .

ملاحظة : درجة حرارة كوري : هي الدرجة الحرارية التي تفقد عندها المعادن مغناطيسيتها . فمثلاً درجة كوري للحديد تساوي 770 س عند ضغط جوي واحد ، ولما كانت أغلب أنواع الصخور تتكون من مجموعة من المعادن المختلفة فلا تمثل حرارة كوري في الصخور درجة حرارة محددة بل تمثل مداً حرارياً معيناً. وتعتمد درجة كوري على التركيب الكيميائي الأصلي للصخور وعلى عمليات الأكسدة والاختزال التي تتعرض لها ، حيث تؤثر عمليات الأكسدة عادة في زيادة هذه الدرجة وعمليات الاختزال في إنقاصها . نشرت ناسا مؤخرًا تقرير جاء فيه تحذير عن انقلاب المجال المغناطيسي للأرض خلال أقل من 100 عام مما يعني أن البوصلة ستشير إلى الاتجاه المعاكس للشمال الحالي وتنقلب الاتجاهات رأسًا على عقب. يعرف العلماء جيدًا أن المجال المغناطيسي للأرض قد انقلب أكثر من مرة خلال تاريخ الأرض وقد ظل قطبا الأرض على ثباتها لآلاف الملايين من الأعوام ولسبب غير مفهوم بدأ المجال المغناطيسي للأرض يضعف وتتغير اتجاهاته نتج عن الدراسة أن المجال المغناطيسي الحالي للأرض تقل شدته بمقدار 10 مرات أسرع من المعدل الطبيعي مما أدى إلى الاستنتاج الذي يثبت قرب انقلاب المجال المغناطيسي للأرض . إن هذا الانقلاب المفاجئ المنتظر سوف يعيث فسادًا في شبكات الكهرباء والاتصالات وقد يؤدي إلى انقراض التكنولوجيا بشكلها الحالي لفترة ليست قصيرة خاصة أن هذه الدراسة تتوقع أن المجال المغناطيسي بقطبيه الجديدين قد لا يستقر قبل 6000 عام بعد هذا الحدث.

من الممكن تحديد مكان أي صخرة نسبة إلى القطب المغناطيسي من خلال دراسة المغناطيسية المتبقية في تلك الصخرة . فعلى سبيل المثال لو أن صخرة عمرها ( 500) مليون سنة تظهر ميلاً مغناطيسياً متبقياً مقداره صفر ، فهذا يعني أن الصخرة  وبغض النظر عن موقعها الجغرافي الحالي  كانت في الفترة ما قبل ( 500 ) مليون سنة موجودة قرب دائرة عرض صفر أي قرب خط الاستواء ، إذ إنه يمكن الاستدلال من خلال قيمة الميل المحفوظ في الصخور والذي ينحصر ، كما ذكرنا سابقاً ، بين ( 0°) عند خط الاستواء و( 90 °) عند الأقطاب ، على موقع الصخرة بالنسبة لدوائر العرض الجغرافية في الفترة التي تولدت فيها مغناطيسيتها. ومن ملاحظة ما سبق ، يتضح لنا أن كل ما تدلنا عليه المغناطيسية المتبقية هو موقع الصخرة نسبة لخطوط العرض ، أما موقعها نسبة لخطوط الطول فلا يمكن تحديده ، ويسلك المجال المغناطيسي الأرضي سلوك درع يحمي الكرة الأرضية من الإشعاعات الكونية الضارة التي تحملها الرياح الشمسية فهي تحمل جزيئات متأينة وهي تصدم سطح الأرض بسرعة نصف مليون كيلو متر في الساعة ، إذ تأسر خطوط المجال المغناطيسي الأرضي هذه الجسيمات المشحونة وتجبرها على الحركة وفقها ، وتأثيرها مدمر ل  (DNA) الحيوية للأحياء ومسؤولة عن تولد الطفرات الحيوية في الكائنات حية وظهور أنواع وفصائل مختلفة منها وهي تدخل جو الأرض من القطب الشمالي مشكلة الشفق القطبي وغالباً ما ينظر إليها من على سطح الأرض كمنظر جميل وخلاب ورومانسي ، خصوصاً لحظات الشفق القطبي كما لوحظ أن الصخور تحفظ اتجاه المغناطيسية فيها رغم انقلاب الحقل المغناطيسي خلال كل مليون سنة .

الأضواء القطبية
تظهر الأضواء القطبية آنفة الذكر في سماء القطب الشمالي والقطب الجنوبي للأرض كضوء طبيعي متموج خلاب بألوان متغيرة. سبب تلك الأضواء هو اصطدام جسيمات مشحونة عالية السرعة آتية من الشمس بذرات الهواء في طبقات الجو العليا . تأتي تلك الجسيمات المشحونة من رياح شمسية حيث يوجهها المجال المغناطيسي للأرض ويبعدها عن دخول جو الأرض ، وفي نفس الوقت يوجه بعضاً منها فيهبط على القطبين بعيداً عن الأماكن المسكونة على الأرض . بهذا يحمي المجال المغناطيسي للأرض الكائنات الحية من تلك الجسيمات الخارقة الضارة للحياة. وتظهر الأضواء القطبية ، وهي تسمى « أورورا aurora » في منطقة تسمى منطقة 1 للأورورا وهي تمتد عبر حيز يبعد نحو 10 ° إلى 20 ° عن القطب المغناطيسي للأرض (تحدث أثناءها دورات للنشاط الشمسي وتحدث عواصف مغناطيسية شديدة تؤثر على الأرض ) قد يمتد ظهور هذه الأضواء إلى مناطق جنوب القطب الشمالي وكذلك الى مناطق شمال القطب الجنوبي .
يعمل وجود مجال مغناطيسي للأرض على حماية الأرض وعلى الأخص حماية الكائنات الحية التي تعيش عليها من الرياح الشمسية التي تأتي إلى الأرض دوماً محملة بالجسيمات المشحونة الضارة . وعند اقتراب تلك الجسيمات إلى الأرض يزيحها المجال المغناطيسي إلى أجواء الفضاء بعيداً عن الأرض .
اكتشف علماء الفيزياء الفلكية في مركز غودارد الفضائي أن الدرع المغناطيسي للأرض قابل للتسرب والهروب منها بسبب هجرة الشحنات المغناطيسية الشمالية نحو القطب الجنوبي وبالعكس هجرت شحنات القطب الجنوبي نحو القطب الشمال مما شكل فيها فتحات عدة (حوالي سبع فتحات) حجمها واتساعها قابل للزيادة والتوسع. وسوف تستمر العملية حتى يتم التعادل بين شحنتي القطبين وتستمر حتى ينقلب القطبان ومما يعني نفوذ الرياح الشمسية عبر المجال المغناطيسي الأرضي وتتكرر هذه الظاهرة كل مليون سنة ، ونحن الآن في ثلثها الأخير ، وأن ذلك قد حدث بضعة مرات خلال الأربع ملايين سنة الأخيرة من عمر الأرض ، وعندما تمر الأرض بمرحلة القطبية المغناطيسية الصفرية تصل الرياح الشمسية بما تحمله من أيونات لسطح الأرض لتضرب الأحياء وتغير من طبيعتها خاصة ال ( DNA ) فيها ، وما يهمنا في الموضوع عدا تأثيرات هذه الظاهرة على كل أمور الأرض هي تأثيراتها على التنفس عند الأحياء عامة والجنس البشري بشكل خاص ، فمن المعروف أن دماء الكائنات الحية والإنسان يحتوي على الهيموغلوبين الغني بذرات الحديد ففي كل كرية حمراء ذرة حديد أو أكثر تساهم في عملية التنفس وهي بدورها تتأثر بمغنطيسية الأرض مما قد يسبب خللاً واضطرابات في عملية التنفس لدى البشر والكائنات الحية، لكن مما يطمئن أن عملية الانتقال ستتم ببطء شديد (خلال مليون سنة) ستعتادها أجسام الأحياء ببطء وبالتدريج . تعتبر الرياح الشمسية وعواصفها السبب الرئيسي لتعطل منظومات الأقمار الصناعية وعجز شبكة الكهرباء في العالم وإعاقة عمل رواد الفضاء الذين يؤدون مهام السباحة الحرة في الفضاء المفتوح ، إذن المغناطيسية الأرضية ضعفت بشكل كبير ولا تزال تتضاءل، وكذلك تأثيراتها المفيدة للإنسان ، والبشر يساهمون في هذا الضعف بما يبنون من عمائر خرسانية لبها أسوار حديدية (قضبان حديدية) بحيث تمنع التأثيرات المغناطيسية على العضوية الحية والفوائد التي ربما تحملها جسيمات الرياح الشمسية ( من طاقة وحيوية ونشاط).

اضطراب الأرض
حسب علماء فيزياء الفلك في مركز غودارد التوسع التدريجي لطبقة الجسيمات المشحونة ضمن عرض مقداره ( 6.5 ألف كيلومتر) والمتخامدة فوُجد أن كوكب الأرض سيشهد أقوى العواصف المغناطيسية وستسجل أشد حالات الاضطراب في الأرض بسبب حزم الإشعاع الواصلة لسطحها كما يقول ديفيد سايبيك خبير الطقس في ( ناسا) والمشرف على نشاط خمسة أقمار صناعية خاصة بمراقبة الطقس وتأثيراته على سكان الكوكب . وستطرح هذه المسألة في افتتاح مؤتمر الجيوفيزيائيين الأميركيين في سان فرانسيسكو قريباً . وإذا كان طوال ملايين السنين السابقة يحمي الأرض درعها المغناطيسي، فمن سيحمي سكان الأرض لو حدث تسرب فيه ؟ هناك بعض المعطيات المتفق عليها علمياً لابد من ذكره ، فمثلاً أن الرياح الشمسية تضغط على الغلاف المغناطيسي بخط نحو الشمال وبالتالي تتغير باستمرار خلال 11 عاماً دورة النشاط الشمسي . ونتيجة لإجراء البحوث وكشف حسابات الموافقة يمكن للغلاف المغناطيسي حماية الأرض أكثر بعشرين مرة من الجسيمات المشحونة. ولمعرفة الآلية العملية لذلك فقد أوجدوا بعض برامج كمبيوترية للفيزياء الفلكية التي لاحظت هذه النسبة . فالجسيمات العالية الطاقة تتدفق في مساحة واسعة من المجال المغناطيسي وتعود الى الأرض لتتجلى بصورة الشفق.
كما أوضح عالم الفيزياء جيمي رادير من جامعة نيو هامشير الذي شارك في وضع برامج الكمبيوتر المذكورة ، واصفاً تأثير الجسيمات المشحونة كالإخطبوط تغطي الأرض بأذرعها، ويمكن إعادة المغناطيسية الأرضية المفرطة بطريقة تعرف باسم Perezamykanie أو ( إعادة المغناطيسية ) المفرطة في الأرض بسبب الفجوات الضخمة ، الأمر الذي أتاح لتسرب البلازما التي تحملها الرياح الشمسية من بروترنات وإلكترونات وميزونات ... إلخ في خطوط العرض العليا لكل من نصفي الكرة المضاءة الجانب في العالم . وإن كانت الظاهرة تحدث على نطاق واسع - والحديث لرادير - فان طبقة الجسيمات المشحونة لا تزال غير كافية لأن تخلق عواصف جيومغناطيسية كبيرة حتى الآن ، لذلك يمكن لسكان الأرض التمتع بفترة من الهدوء النسبي وإن كان لا يزال الغلاف المغناطيسي يخزن الجزيئات العالية الطاقة. إن أصعب فترة تمر فيها الأرض هي التي يبدأ فيها النشاط الشمسي بالازدياد متوجهاً نحو الجنوب، لما لتلك الظاهرة من أهمية .... اكتشف العالم الامريكى فان آلن الاستاذ بجامعة ايوا الامريكية  أن الجسيمات المشحونة التي توجد في الأشعة الكونية المتجهة الى الكرة الأرضية تتأثر بالمجال المغناطيسي للأرض فتنحرف عن مسارها المستقيم وتأخذ مساراً دائرياً حول الارض على شكل حزام وتبين للعلماء وجود عدة أحزمة . تتكون أحزمة فان آلن من حزامين رئيسيين: يقع الحزام الداخلي الأقرب إلى الأرض على بعد يتراوح بين 1000 الى 7000 كيلومتر
ويتكون معظمه من بروتونات ذات طاقة معدلها 30 مليون الكترون فولت. أما الحزام الخارجي فيقع على بعد يتراوح بين 5000 – 25000 . كيلو متر ويحتوي معظمه على الكترونات ذات طاقة معدلها مليون إلكترون فولت . فحزام فان ألن كأنه قبة حديدية أعظم يحمي الأرض ويعمل كمرشح من الجسيمات المشحونة الفتاكة بالأحياء على سطح الأرض . تُغذى الأحزمة بالأشعة الكونية المتساقطة بصورة مستمرة وتتسرب منها كميات إلى الأرض بسبب تغير شدة المجال المغناطيسي للأرض. أجريت أبحاث عديدة باستخدام الأقمار الصناعية الأمريكية مثل إكسبلور الرابع وأل إكسبلور السادس وبايونير الثالث لدراسة أحزمة فان آلن ونوع الأشعة النووية المحصورة بداخلها وطاقتها وزيادة كثافتها.

تأثير التفجيرات النووية على أحزمة فان آلن :
أجرت الولايات المتحدة سلسلة من التجارب النووية في الفضاء ، كانت التجربة الاولى في شهر أغسطس عام 1958 وقد أطلق عليها (أرجوس ) وتم التفجير على ارتفاع 1300 متر فوق الارض .
والتفجير الثاني أطلق عليه اسم (ستار فيس) وقد تم في شهر ديسمبر عام 1958 أيضاً ، ولقد أثبتت هذه التفجيرات حدوث زيادة في كثافة الأشعة النووية التي تجمعت في منطقة أحزمة فان آلن ، وأجريت تفجيرات أخرى في الفضاء، مثل تجربة( تيك)في عام 1958 م وتم هذا التفجير في الجو على ارتفاع كبير بلغ 77 كيلو متراً باستخدام قنبلة هيدروجينية قدرتها 3 . 8 ميغا طن ، كما أجرى تفجير مماثل آخر فى مساء 9 يوليو 1962 لقنبلة هيدروجينية أخرى قدرتها 1 . 4 ميغا طن على ارتفاع 400 كيلو متر، وقد أطلق عليها اسم ستار فيش برايم ، وكان التفجير فوق المحيط الهادئ . أحدث هذا التفجير ضوء أبيض لامع شبيهاً بضوء الشمس عند الظهر فأضاء للحظات البحر والسماء ، وبعد ثانية تحول لون السماء إلى اللون الأخضر وخلال بضع دقائق انتشر شفق أحمر غطى الأفق . أحدث هذا التفجير سحابة من الجسيمات المشحونة منتشرة في الفضاء الخارجي .
إن المجال المغناطيسي للأرض أثر بعد ذلك في هذه السحابة المشحونة فجعلها على شكل أحزمة تشبه أحزمة فان آلن الطبيعية. لقد تكونت هذه الأحزمة الصناعية بداخل الأحزمة التي تحتوي على الإلكترونات على شكل حلقة أو حزام صناعي يحيط بالكرة الأرضية . لذا تعمل التفجيرات النووية في الفضاء على تزايد كثافة الجسيمات المشحونة بدرجة كبيرة وتُكون الإلكترونات أحزمة صناعية مجاورة لأحزمة فان آلن .

حوادث غريبة
شاهد بعض سكان جزر هاواي مشاهد غريبة بعد حدوث هذا التفجير فقد ضعفت إضاءة الشوارع فجأة في جزيرة (أوهو) وتوقفت محطات الإذاعة المحلية، كما تعطلت الخدمات الهاتفية لبعض الوقت ، وفي أماكن أخرى من جزر المحيط الهادي توقفت منظومة الاتصالات العالية التردد عن العمل لمدة تزيد عن 30 ثانية . لقد أدرك العلماء عندها أن التفجير النووي الذي حدث في 9 يوليو 1962 قد أحدث نبضة كهرومغناطيسية شديدة انتشرت في منطقة واسعة تحيط بموقع الانفجار . وخلال بضع دقائق بعد الانفجار انتشر شفق أحمر بلون الدم غطى الأفق وتحولت هذه الغيوم بفعل المجال المغناطيسي للأرض الى أحزمة صناعية من الجسيمات المشحونة وخلال الأشهر التالية عطلت الأحزمة الصناعية الكثيفة سبعة
أقمار اتصالات ذات مدارات منخفض حول الارض . ومن خلال التجارب والدراسات وُجد أن لهذه التغيرات تأثيرات مناخية وجيولوجية وبنيوية حية حتى على مستوى الخلية والفيروسات ..

المراجع :
- Some problems concerning the morphology of auroras and Feldstein,Y. I. (1963(
-magnetic disturbances at high latitudes .
- Geomagnetism and Aeronomy: 183-192.
-Feldstein، Y. I. (1986). (A Quarter Century with the Auroral Oval(.

مجلة الأدب العلمي العدد الثلاثون  ظواهر وخفايا

0 comments: