Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

كيف يستخدم كربون 14 في حساب العمر


جميل حسين الأحمد
في هذا العصر المتسم بالتطور والتقدم في مجالات المعرفة الإنسانية والتغيرات العظيمة في مجالات الاتصال والتكنولوجيا، وعظم المنافسة الاقتصادية، صار التوجه نحو دفع الكفاءة متطلباً وهدفاً أساسياً لكل المؤسسات والدول وأصبح لزاماً على كل من أراد التفوق والتقدم على كافة الأصعدة العلمية والوظيفية، أن يتسلح بالمعرفة المتعمقة ، والمقدرات المتنوعة والقابلية والمواكبة والمنافسة .
 لقد غدونا في عصر لا يعرف اليأس وأضحت فيه التقانات تجدد بمتواليات هندسية و أخذت المعرفة تتسارع مع الأنفاس و غدا الشعار في كل مكان: "المعرفة هي القوة، التكنولوجيا هي المحرك". قد يصل عمر قطعة من الخشب أو العظام إلى 5000 عام. ومن الطبيعي أن نتساءل عن كيفية تمكن العلماء من تقدير عمر الآثار والحفريات التي توجد على الكرة الأرضية، وما هي الطريقة المستخدمة؟ يستخدم كربون - 14 كمقياس لتقدير أعمار الحفريات ذات الأساس البيولوجي والتي قد يصل عمرها في بعض الأحيان أكثر من 50000 سنة. تنتشر مادة الكربون في الطبيعة، ونجدها في الفحم الحجري والغرافيت والألماز وغيرها من المواد. تشكّل مادة دراسة الكربون ومشتقاته وتفاعله مع المواد الأخرى الجزء الأساسي من تعليم الكيمياء العضويّة. تتألّف ذرّة الكربون الطبيعي أو الكربون 12 من العناصر التالية: إلكترون عدد 6 ، بروتون عدد 6 ، نيترون عدد 6. تقوم الأشعّة الكونيّة برشق الغلاف الجوّي للأرض، ما يؤثّر على تركيبة غاز النيتروجين أو الآزوت، وهو أكثر الغازات وفرًا في الجو، فيخسر أحد البروتونات، ويكتسب نيتروناً واحداً، فتتحوّل ذرّة النيتروجين إلى ذرّة مختلفة، سمّيت كربون 14 ، تتألّف من العناصر التالية: إلكترون عدد 6، بروتون عدد 6، نيترون عدد 8. لاحظ العلماء أنّ الكربون 14 الذي يتكوّن في الغلاف الجوّي، هو نظير مشعّ للكربون 12، ويمتصّه الجسم البشري والحيوانات والنباتات على الأرض، في عمليّة توازن محدّدة. لَمّا يمتصّ النبات الكربون 14 ، يتحوّل إلى الكلوروفيل. ولَمّا يمتصّ الإنسان والحيوان الكربون 14 ، يتحوّل إلى النفايات العضويّة، فيعود إلى الأرض. نتيجة هذا التوازن والتبادل، يحمل الإنسان والحيوان والنبات نسبة ثابتة من الكربون 14 ، تبدأ بالهبوط مع موت الإنسان والحيوان وقلع النبات من التراب. يتمّ الهبوط بحسب دورة مقدارها 5570 سنة، أي أنّ كميّة الكربون 14 تهبط إلى النصف بعد مرور 5570 سنة على الموت أو القلع. عندما يقوم علماء الآثار مثلاً، بقياس كميّة الكربون 14 الموجودة في الأشياء القديمة، التي غالبًا ما تكون مطمورة، يقومون بعمليّة حسابيّة لإيجاد عمر هذا الشيء. شكّل هذا الاكتشاف ثورة فعليّة في الطرق العلميّة المعتمدة في علم الآثار، لتأريخ بقايا الأجسام المطمورة. يعود الفضل في هذا الاكتشاف إلى العالم الأميركي ويلارد ليبي الذي عمل عليه في جامعة شيكاغو، منذ الخمسينيّات، وحصد عليه جائزة نوبل في الفيزياء، العام 1960 . تزامن اكتشاف ليبي مع العثور على مخطوطات قمران، على ضفاف البحر الميت، فتلقّف المجتمع العلمي هذه المصادفة للقيام باختبار عملي لنظريّة ليبي. أرسلت إلى ليبي قطعة من الكتّان الذي لفّت به إحدى المخطوطات لإجراء فحص الكربون 14 عليها. قام الدكتور ليبي بما عليه، وقدّم النتيجة التالية: يعود عمر الكتّان إلى ما بين العام 168 ق. م. و 233 ب. م. أتت النتيجة متوافقة مع المعلومات التاريخيّة والأركيولوجيّة الأخرى، فقبلها المجتمع العلمي، وشكّلت مؤشرًا إيجابيًا للبدء بتعميم طريقة ليبي على المختبرات العالميّة. الكربون 14 موجود في كل الكائنات الحية...
ذرات الكربون 14 التي تنتج من الأشعة الكونية تتحد مع الأكسجين لتكون ثاني أكسيد الكربون، يتم امتصاص ثاني أكسيد الكربون من قبل النباتات خلال عملية التمثيل الضوئي، ينتقل كربون - 14 من النبات إلى الإنسان والحيوان من خلال الأكل. تكون نسبة الكربون - 12 إلى الكربون – 14 في الهواء وفي كافة الكائنات الحية نفس النسبة. ويقدر عدد ذرات الكربون - 14 في الهواء بذرة واحدة لكل 1012 ذرة كربون 12- ، ذرات الكربون - 14 مشعة وتضمحل باستمرار من خلال إطلاق أشعة بيتا ولكن يتم تعويض الفاقد من جسم الكائنات الحية بمعدل ثابت من خلال ما نتناوله عام أو ماء عند هذه اللحظة نؤكد على أن جسم الإنسان يحتوي على نسبة ثابتة من الكربون - 14 فيه وتساوي نفس النسبة في الحيوان والنبات..

حساب العمر
تكمن الفكرة في الاعتماد على الكربون 14- لحساب العمر عن توقف وتزيد الكمية المفقودة من الكربون - 14 عند الوفاة للكائن الحي فتختلف النسبة بين الكربون - 12 إلى الكربون - 14 عن باقي الكائنات الحية لأن الكربون - 14 هو عنصر مشع ويضمحل بمعدل ثابت مع الزمن من خلال إطلاق جسيمات بيتا ولا يتم تعويضه كما هو الحال للكائن الحي. بينما يبقى الكربون - 12 ثابتاً في جسم الكائن قبل الوفاة وبعده. وعليه نستنتج أنه بقياس النسبة بين الكربون - 14 إلى الكربون 12- ومقارنة النتيجة مع النسبة بينهما في الكائنات الحية يمكن حساب عمر العينة. والمعادلة التالية توضح حساب العمر :
t = [Ln (Nf/No) / (-0.693) ] x t1/2
حيث Ln هي دالة اللوغاريتم الطبيعي،No / Nf هي النسبة بين كربون - 14 في العينة إلى الجسم الحي. و 2/ t1 هو عمر النصف للكربون - 14 والذي يساوي 5730 سنة. فإذا افترضنا أن هناك عينة تم قياس نسبة كربون - 14 ووجدت أنها 10 % بالمقارنة مع نسبته في الأجسام الحية فإن حساب عمر العينة يكون حسب المعادلة السابقة على النحو التالي:
t = [ Ln (0.10) / (-0.693) ] x 5,700 years
t = [ (-2.303) / (-0.693) ] x 5,700 years
t = [3.323] x 5,700 years
t = 18,940 years old
تتبادل الكائنات الحية باستمرار غاز ثاني أكسيد الكربون مع الجو المحيط بها ويتكون الكربون الموجود في الغلاف الجوي والكائنات الحية بالدرجة الأولى من النظير المستقر الكربون 12 حيث تبلغ نسبته %98.89 ولكن توجد نسبة ضئيلة للغاية من النظير المشع للكربون 14 في الغلاف الجوي حيث تبلغ نسبته 10×1.3 ^ %10 من كمية الكربون الكلية ومع التحلل المستمر للكربون - 14 تتناقص كمية النظير من الغلاف الجوي ولكن يذهب العلماء إلى القول إن الأشعة الكونية التي تضرب الغلاف الجوي باستمرار تؤدي إلى تكوين كميات جديدة من الكربون 14 بصورة تؤدي إلى التعويض عن التناقص الناجم عن التحلل المستمر الأمر الذي يؤدي إلى ثبات نسبة الكربون 14 في الغلاف الجوي وفي الكائنات الحية نتيجة للتبادل المستمر بينها وبين الغلاف الجوي لمادة co2 ولكن عند موت الكائن الحي فإن عملية التبادل لمادة co2 مع الغلاف الجوي تتوقف لتوقف النشاط الحيوي للكائن الحي وبالتالي ينجم عن التحلل المستمر للكربون 14- في بقايا الكائن الحي بعد موته والتي تعرف باسم المستحاثات وتناقص نسبة الكربون - 14 نسبة للمحتوى الكلي للكربون ومن قياس فاعلية الكربون 14 الإشعاعية للمستحاثات ومقارنتها بالفاعلية للكربون 14- في الكائنات الحية نستطيع حساب عمر المستحاثات. عندما كان كوننا يافعاً كان مليئاً بنظائر مشعة ذات عمر قصير جدا مثل النظائر 26Al و 60Fe و 53Mn و 129I ، هذه النظائر المنقرضة ربما تم إنتاجها خلال عملية الانفجار العظيم ، هذه النظائر المتحللة يمكن لحد الآن قياسها من خلال النيازك التي تسقط على الأرض ومن خلال هذه القياسات يتم معرفة تسلسل الأحداث خلال عملية تكوين المجرات. جدير بالذكر أن تقدير الأعمار باستخدام الكربون - 14 أو غيره من العناصر المشعة لا يعطي نتائج دقيقة للعينات بعد العام 1940 حيث تم اكتشاف القنابل النووية والمفاعلات النووية التي أنتجت التجارب عنها إضافة لنسبة العناصر المشعة الموجودة في الطبيعة مما أحدث خلل في النسبة الطبيعية بين الكربون - 12 والكربون - 14 في الغلاف الجوي التي اعتمدنا عليها في حساب عمر العينة.

المراجع :
1 موسوعة تكنولوجيا المعلومات.
-2 جريدة الرياض الجمعة 28 ذي القعدة 1431 ه - 5 نوفمبر 2010 م - العدد 15474 .

0 comments: