Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

مثلث برمودا قريباً من الحقيقة بعيداً عن الخيال ...الأدب العلمي العدد الخامس


د.م. كسرى خليل حرسان

نسمع كثيراً عن مثلث برمودا ، ويعلم أغلبنا ما يجري من أمره الذي يخيل إلينا وكأنه أسطورة نسجها الخيال بدقة وبراعة بغية الإثارة والتشويق .
لكن الحقيقة هي أن هذا المثلث واقعة حقيقية لمسناها في عصرنا هذا من أصحاب الشأن على الصعيد الرسمي، وتحدثت بها وسائل الإعلام بجميع أشكالها المقروء والمسموع والمرئي، إنه يشكل التحدي الأعظم واللغز الأشد تحييراً للعلماء الذي يحول دون إيجاد تفسير علمي لهذه الظاهرة الخطيرة، بعيداً عن الخرافات والتوهمات، للانتقال بتلك الحوادث الغريبة والمبهمة نوعاً ونمطاً إلى قوانين علمية يستوعبها العقل.
تقع جزر برمودا في الشمالي الغربي من المحيط الأطلسي، وتتألف من ما يقارب 360 جزيرة صغيرة، ولا يوجد السكان إلا في عشرين منها(عشر من هذه الجزر المأهولة تتصل فيما بينها بوساطة جسور، وتشكل ما يسمى الجزيرة الأساسية – برمودا)، يبلغ عدد سكانها 82 ألف نسمة يتكلمون لغة رسمية هي الانكليزية، لأن الجزر تابعة للمملكة المتحدة ، ومعظمهم هم أحفاد العبيد الزنوج، مساحتها 53 كيلومتر مربع، عاصمتها هاميلتون، كثافتها العامة حوالى 1600 نسمة على كيلومتر مربع، وتشكل السياحة الدخل الوحيد لها نظراً لمناخها اللطيف المعتدل على مدار السنة، وتتواجد على أراضيها قاعدة أمريكية، سميت بجزر برمودا نسبة إلى مكتشفها البحار الإسباني خوان برموديث ( Juan de Bermúdez ) عام 1503 م.
أما مثلث برمودا فهو عبارة عن مثلث متصور رأسه الأول يقع في جزيرة برمودا والثاني في مدينة ميامي بولاية فلوريدا والثالث في جزيرة بورتوريكو.
سمي هذا المثلث عام 1954 م بعدة أسماء منها مثلث الشيطان وجزر الشيطان نظراً لاختفاء عدد كبير من السفن والطائرات فيه. تبلغ مساحة المثلث 1100000 كيلومتر مربع، وهو متساوي الأضلاع تقريباً طول كل ضلع يقارب 1500 كيلومتر، وسميت المنطقة أيضاً ببحر السرجاسو بسبب وجود كتل أعشاب السرجاسو البحرية التي تطفو على المياه بكميات ضخمة تعوق حركة القوارب والسفن، وقد شاهدها كولومبوس في طريقه إلى أمريكا، وكانت هذه الأعشاب سبباً في اختفاء وغرق عدد كبير من السفن.في هذا المثلث (الشيطاني) اختفى الكثير من السفن والطائرات، وهناك تضارب حول عدد السفن التي غرقت فيها، فبعضهم يوصله إلى100 سفينة وآخرون إلى 10 .
في عام 1918 م اختفت في المثلث السفينة الأميركية سكاي لوس ( Sky Loose ) التي انطلقت من مدينة ريودي جانيرو في البرازيل، ولم يعد يسمع بها أحد رغم عدم وجود عواصف في ذلك اليوم، ثم كان اختفاء السفينة الأميركية انسرجنت( Unsergeant )، وعلى متنها 34 راكباً، وبعد ذلك سكوربيون (Scorpion) وهي تحمل 99 شخصاً عام 1968 م، ولكن الحدث الأبرز كان اختفاء سرب قاذفات القنابل الأمريكية الرحلة رقم 19 المؤلف من خمس طائرات حربية من طراز )تي تي بي ام 30 فينغر(Avenger )، وعلى متنه أربعة عشر طياراً في الخامس من كانون الأول من عام 1945 م، وكان يحلق على شكل مثلث قبيل اختفائه بقيادة الملازم الأول تشارلز تايلور( Charles Taylor) الذي كان يمثل رأس المثلث، وقد اختفت هذه الطائرات فوق مثلث برمودا في ظروف غامضة، وظل ذلك لغزاً إلى اليوم. وقد تم تسجيل صوت تايلور وهو ينادي القاعدة الجوية فورت لودرديل ( Air Station Fort Lauderdale) :
(نحن في حالة طوارئ، يبدو أننا خارج خط السير تماماً، لا أستطيع رؤية الأرض، لا أستطيع تحديد المكان، أعتقد أننا فقدنا في الفضاء، كل شيء غريب ومشوش تماماً، لا أستطيع تحديد أي اتجاه، حتى المحيط أمامنا يبدو في وضع غريب لا أستطيع أن أصفه)، وانقطع بعد ذلك الاتصال بين القاعدة والسرب، ومنذ ذلك الحين بدأ العالم يأخذ أسطورة مثلث برمودا بشكل جدي.
ومن الطائرات التي أصبح مصيرها مجهولاً في مثلث برمودا طائرتا الركاب البريطانية ستارتايكر ( Star Tiger ) عام 1948 م، وعلى متنها 31 شخصاً، والطائرة ستار أريال (Star Ariel ) عام 1949 م، وتقل 37 راكباً، وفي العام 1956 م كان اختفاء الطائرة (بي فايف ام M) 5P ) التابعة للبحرية الأمريكية مع طاقمها المكون من عشرة أفراد.
أما سبب اختفاء السفن والطائرات في هذه المنطقة فَعُزي حسب عدة أبحاث قام بها العلماء وأشهرهم (كوسك) الذي نشر أبحاثه  حول المثلث عام 1975 م إلى:
-وجود أخدود عميق في قاع المثلث عمقه حوالى 1200 م.
- كثرة العواصف البحرية والجوية فوق المثلث.
- التيارات المغناطيسية القوية التي تسحب السفن إلى الأسفل بقوة.
- دوامات مائية قوية تؤدي إلى غرق السفن العابرة.
- الزلازل التي تشكل موجات تشويش على الأجهزة في الطائرات والسفن.
- الاضطرابات الحاصلة في أوضاع البوصلة تؤدي إلى فقدان الاتجاهات وضياع السفن وغرقها.
- وجود كميات كبيرة من غاز الميتان المتجمد تحت قاع المثلث يؤدي إلى خفض كثافة الماء، وبالتالي إلى غرق السفن، بالإضافة إلى أنه غاز قابل للاشتعال يحرق السفن.
- الطاقة المنعكسة التي تستخدمها وزارة الدفاع الأميركية في المثلث، والتي تؤدي إلى التشويش على السفن وغرقها. باعتقادي وللعقول الواعية أن الظواهر الطبيعية التي تتولد في مثلث برمودا مثل (الطيات والفوالق والزلازل) تنشأ في أماكن كثيرة من سطح الكرة الأرضية، ولكنها تكون في هذا المثلث أشد تأثيراً وأعظم فعلاً، فهذه الظواهر هنا تنشأ وسط المحيط، الأمر الذي يسبب صنع نوع من الانزلاقات للطبقات الأرضية، مسببة تغير موضع المياه في قعر المحيط، فتتشكل من ذلك المطرقة المائية، وبالتالي تتكون دوامات دورانية وأمواج عالية، فتنتج قوة جاذبة هائلة بإمكانها جذب ملايين الأطنان، ولها تأثير كبير في نظام الأجهزة السلكية واللاسلكية والبوصلة في السفن والطائرات، ونتيجة لذلك يضيع الاتجاه، ويفقد التوازن، علماً بأن المطرقة المائية تكوِّن أمواجاً عالية جداً تحوِّل البحر من حالته الهادئة إلى حالة من الهيجان لامثيل لها قد تغرق اكبر الدول في العالم.
من جهة أخرى فإن الثروات الباطنية الموجودة في مثلث برمودا من الغاز وغيره تكوِّن نوعاً من التخلخل الهوائي نتيجة خروجها من قاع المحيط، الأمر الذي يشكِّل خطراً كبيراً على الحركة الملاحية حتى في سماء المثلث، وبالتالي يتم سقوط الطائرة المحلقة في أجوائه أيضاً.
ومن جملة الأسباب التي تكمن وراء خطورة هذا المثلث هبوب العديد من الأعاصير في هذه المنطقة نتيجة تداخل التيارات الهوائية الحارة مع التيارات المائية الباردة أو بالعكس، وهذا ما يولِّد حالة من الاضطرابات الشديدة في سماء هذا المثلث وضمن مياهه تسبب خللاً في التوازن الإليكترومغناطيسي للرادارات والأجهزة اللاسلكية والبوصلة، وبالنتيجة تعمل تشويشاً على المكالمات بين القاعدة وبين الطائرات والسفن، ممّا يؤدي إلى حدوث كوارث الملاحة البحرية والجوية.
أما السبب الأقرب للحقيقة والمنطق في اختفاء الطائرات والسفن في المثلث الشيطاني فهو الدوامات المغناطيسية المشابهة للدوامات المائية في مجرى النهر، فاتجاه الساحة المغناطيسية المنتظمة في باطن الأرض يسبب توجيه إبرة البوصلة إلى الاتجاه (شمال – جنوب)، أمّا في مناطق الدوامات المغناطيسية حيث تتعدد اتجاهات الساحة المغناطيسية، فيختل اتجاه إبرة البوصلة فلا تستقر في الاتجاه المألوف، إذاً عدم الانتظام في إبرة البوصلة دليل على وجود دوامات مغناطيسية متولدة في باطن الأرض ضمن مساحة مثلث برمودا تسبب فقدان التوجيه في الطائرة والسفينة.
برأيي أن مثلث برمودا خطبٌ كبير، سواءٌ نظرنا إلى أمر الاختفاء فيه كحقيقة واقعية قائمة لا يمكن تجاهلها، وفي هذه الحالة من السهل معرفة أسبابها بالاعتماد على التكنولوجيا الحديثة التي لا نفتقر إليها، أم نظرنا إليه من زاوية أخرى فعندئذ ستكون - وراء أمر هذا المثلث وما أشيع حوله من أنه يسحب إليه السفن والطائرات - أسباب دولية أو إقليمية تقف في وجه الحقيقة خدمةً للمصالح الذاتية والتجارية لبعض الدول، ويجب أن نعلم أن للعلماء طاقات محدودة أحياناً في إدراك أسرار وخفايا هذا الكون، إذ إن هناك أموراً غامضة أخرى ما زالت مثار قلقنا إلى يومنا هذا.

المراجع 

-أسامة الكرم لغز مثلث برمودا وعرش إبليس القاهرة 1990 م.
- يوسف نجيم موسوعة المعارف الكبرى رقم ( 10 ).
- مثلث برمودا ويكيبيديا الموسوعة الحرة.
- رياض مصطفى العبد الله مثلث برمودا بين الحقيقة والأسطورة مصر القاهرة 1997 م. ي

- بروك سكان العالم دار التقدم موسكو 1983 م.

مجلة الأدب العلمي العدد الخامس  ظواهر وخفايا

0 comments: