Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

حلقات كوكب زحل ، حل اللغز أخيراً ....الأدب العلمي العدد التاسع


ترجمة غصون عمار

أدهش زحل علماء الفلك طوال أربعمائة سنة... دون أن يبوح بسر منشأ حلقاته، غير أنهم تمكنوا أخيراً من إماطة اللثام عنه ، إذ كان تحليل المعطيات التي جمعها المسبار (كاسيني) واضحاً لا لبس فيه : تولدت حلقات زحل من سقوط قمر عملاق على الكوكب كله في طور فتوّته . فضلاً عن ذلك : تمخضت الحلقات عن ولادة أقمار عديدة . وليست هذه حالة فريدة، إذ توجد غيرها شبيهة في أماكن أخرى من الكون .

وفقاً للميثولوجيات الإغريقية والرومانية، زحل ) ساتورن ( Saturne هو « تيتان » Titan صَمُوتٌ كان لا بد أن يلتهم أبناءه كي يتحاشى أن يخلعوه عن عرشه. لم يستلهم روبن كانوب Robin Canup » ، الاختصاصي
«في علم الكواكب في معهد أبحاث Boulder) كولورادو، الولايات المتحدة (، معطياته من الميثولوجيا، بل من عدد كبير من العمليات الحسابية المنجزة على أساس بيانات فائقة الدقة أرسلها المسبار « كاسيني ،Cassini » الذي وضع في المدار حول الكوكب منذ نحو سبع سنوات. توصل عالم الفلك الأمريكي مع ذلك إلى نتيجة القدامى نفسها: ابتلع زحل، عند فجر العالم، أبناءه فعلاً! والحلقات المحيطة به هي بقايا هذه المجزرة المرعبة.

بعد جدالات استمرت خمسة قرون، ظهر أن تشكُّل هذه الحلقات آخِرُ أكبر أسرار هذا الكوكب الفريد، السادس من حيث بعده عن الشمس، والثاني بعد المشتري من حيث الحجم، لكنه الأول بالتأكيد بعبارة الألغاز. لدى كل منا فكرة عن هذا الطوق العجيب الذي يدور حول كرة صفراء ترتفع في ليل الكون. إنها صورة على قدر كبير من البساطة والجمال، وهي رمز لكل العوالم البعيدة وأيقونةُ تصوراتنا حول السماء. ويعترف عدد من علماء الفلك بأنها هي التي كانت وراء اعتزام تَخَصُّصهِم.

حدس غليليه :

منذ أربعمائة سنة، لم يكن أول عالم فلك يرصد زحل يتوقع أيضاً هذه الأعجوبة. خلال صيف 1610 ، بعد أن تأمل القمر، والزهرة والمشتري، كان في فكر عالم الفلك الإيطالي « غاليليو غليليه Galileo Galilei » أن الكواكب كلها، على غرار الأرض، تتميز بصورة على شكل كرة عائمة في الفضاء. كان يعلم أن زحل هو الأبعد

في المجموعة الشمسية )اكتُشف كوكب أورانوس بعد قرن منه وكوكب نبتون بعد قرنين(. ومن منطلق مساره الثابت، البطيء والمهيب، أطلق الإغريق اسم « كرونوس Cronos » على هذا الكوكب المرئي تماماً بالعين المجردة، من اسم ملك « التيتان » ووالد «زيوس »، حيث «ساتورنوس Saturnus » هو النظير اللاتيني.
عندما صوب العالم الإيطالي منظاره نحوه، كان هذا أصغر وأقل دقة من أن يمكّنه من تمييز الحلقات. مع ذلك، كانت قوته كافية لانتظار مفاجأة هامة. ذلك أن ما رصده « غليليه » في عيْنيّته هو «كوكب ثلاثي التوأم planète » trijumelle ، أي أنه يوجد ، حسبما أشار في ذلك الوقت، « خادمان يساعدان ساتورن العجوز في حسن سير حياته ويبقيان باستمرار إلى جانبه ». كان يعلم أنهما ليسا قمرين تابعين: سيراهما لاحقاً يدوران حول الكوكب، مثل تلك التي كان قد اكتشفها قبل وقت قصير تدور حول كوكب المشتري. ما اعتقد أنه رآه في الحقيقة هو نطاقان غريبان يتجاوزان حواف الكوكب.ظل ذلك لغزاً إلى أن لاحظ ظاهرة أكثر غرابة بعد
سنتين لاحقتين: تبين لعالم الفلك، خلال حملة رصد جديدة، أن نطاقي الكوكب الزائدين هذين قد اختفيا! كان حظه سيئاً: تظهر حلقات زحل بالشريحة الرقيقة tranche كل خمس عشرة سنة، وتصبح على مدى بضعة أشهر دقيقةً إلى درجة أن المنظار الفلكي العادي يغدو عاجزاً عن رؤيتها. هذا ما أغاظ « غليليه »، وقال «إن ساتورن ابتلع أبناءه »، مندهشاً من هذا التناغم مع الأسطورة القديمة.
لزم انتظار ما يقرب من نصف قرن كي تخرج الحلقات من الظل، عام 1655 ، بفضل عالم الفلك « كريستيان هيغنز Christian » Hygens : كان مع « منظاره الطويل الذي كان يخيف الناس »، حسب عبارة الكاتب الهزلي الفرنسي الشهير « موليير » آنذاك، أول من قال إن زحل « محاط بحلقة خفيفة، غير ملتصقة بالكوكب بأية نقطة ». أفاد « هيغنز » حتى من جودة منظاره ليكتشف قمراً له، « تيتان Titan » ، الأكبر من قمر الأرض بمرتين.
أما الحلقات... فيا له من كشف! أراد الفلكيون المحترفون والهواة آنئذ أن يروا هذه الأعجوبة و « أن يتحسسوا بأعينهم » المسافة العجيبة التي تفصلهم عن هذا الكوكب الأبعد المعروف في الكون آنذاك - 335 مليون فرسخ! - في وقت كان عبور بلد مثل فرنسا يعتبر حملةً وكانت الأرض ميدان نشاط غير مستكشف بعد إلى حد كبير. تنادت العقول الكبيرة لتفسير هذه الفرادة الكونية. وهاهو « ساتورن » يعود ليصبح أسطورة حديثة.

وبفضل تطور بصريات المناظير، اكتشف «جان - دومينيك كاسيني Cassini ، مدير مرصد باريس، عام 1675 ،
 Jean-Dominique » أنه لا توجد حلقة واحدة لزحل، بل اثنتان على الأقل، منفصلتان بأقسام سوداء يمكن أحياناً من خلالها رؤية نجم يسطع. هل هذه الحلقات صلبة، أم سائلة، أم غازية؟ إن كان العالم الفرنسي « بيير - سيمون لابلاس Pierre » Simon Laplace – قد أشار في نهاية القرن السابع عشر إلى أنها رقيقة وصلبة، فإن الفيزيائي البريطاني « جيمس كليرك ماكسويل » James Clerk Maxwell صاحب نظرية المغناطيسية الكهربائية أثبت في منتصف القرن التاسع عشر أنها لا يمكن أن تكون كذلك لأنها قد تتكسر. ومنذ التحليلات المطيافية spectroscopiques في القرن التاسع عشر وحتى زمن المسبارين الفضائيين الأمريكيين «فوياجر 1 » و 2، مع بداية ثمانينيات القرن الماضي، بدأ السرّ ينكشف. ذلك إلى أن تمكنت عمليات الرصد أخيراً من أن تثبت أن الحلقات تتكون من كتل جليدية كبيرة أو صغيرة .

أول نظرية مترابطة فعلاً :

أخذ المسبار « كاسيني «، ابتدءاً بعام 2004 ، بإماطة اللثام نهائياً عن السر بعد أن كُشفت التفاصيل كلها بخصوص ما وصفه « أورليان كريدا Aurélien Crida » ، من مرصد « كوت دازور » وجامعة « نيس صوفيا - أنتيبوليس » بفرنسا، بالقول إنه « أدق شيء نعرفه في الكون: تبلغ ثخانة كل حلقة بين 10 و 100 م
وقطر 300000 كم تقريباً. إنها كثيفةٌ جداً وتتكون من كتل جليدية بحجم 10 سم إلى عدة أمتار وتبتعد كل كتلة عن الأخرى بضعة أمتار، تتكتل وتتفتت باستمرار خلال دورانها حول الكوكب ». بقي أمام علماء الفلك أن يتفحصوا منشأ ومصير هذه الحلقات. لقد اعتقدوا لزمن طويل أن هذه البنية فريدة في الكون، وحديثة
جداً، وعرَضية، ومدة حياتها محدودة. في نهاية القرن التاسع عشر، كان عالم الفلك الفرنسي « كميل فلاماريون Camille Flammarion » يعتقد، من خلال مراقبتها بمنظاره كغالبية زملائه، أنه يرى الحلقات تتطور سنة بعد أخرى، بل تصور أنه سيشهدها تتخرب وتسقط على الكوكب العملاق... . وراجت منذ ثلاث
سنوات فرضية حول مذنّب عابر يمكن أن يتبعثر عند اقترابه من زحل، هذه « الكارثة » التي ستحدث في غضون أقل من مائة مليون سنة قادمة! كان ذلك قبل أن تعطي التحليلات الأخيرة للمعطيات التي أرسلها « كاسيني » حصادَها من الاستكشافات. أولاً، أثبت « روبن كانوب » وفريقه أن الحلقات قديمة قدم الكوكب
نفسه. وبشكل خاص، بينوا أنها ربما تشكلت بعدما سقوط قمر عملاق على زحل إبان فتوته فنشر حوله كميات ضخمة من الجليد. وحسب « أورليان كريدا »، فإن هذا السيناريو « يقدم لأول مرة نقطة انطلاق مقنِعة لنظرية مترابطة حول منشأ حلقات وأقمار زحل ». وليس هذا كل شيء. ذلك أن فريقاً فرنسياً من علماء الفيزياء الفلكية أثبت من جانبه في صيف 2010 كيف ولد القسم الأكبر من الموكب الحالي لأقمار زحل من خلال الحلقات نفسها. تحث هذه الاكتشافات وسواها على أن نرى في الحلقات بنيةً ليس فقط أنها ليست غير مستقرة بل أيضاً شمولية. وبالتالي يمكن أن نلاحظها احتمالاً في كواكب أخرى إن لم نقل في كواكب خارج مجموعتنا الشمسية، هذا فضلاً عن أن هذه الاكتشافات قد كشفت أخيراً عن سر عمره أكثر من أربعمائة عام.

حول زحل :

منذ 4,5 مليارات سنة، كان زحل مغلفاً بسحابة تكتلية سميكة، أي سحابة مؤلفة من مواد تجمعت بتأثير الجاذبية. كانت تتشكل باستمرار كواكب لا تحصى عبر هذه السحابة، تفتت معظمُها على سطح زحل، الكوكب الغازي العملاق. وهكذا، كانت هذه السحابة التكتلية تتضاءل بالتدريج إلى أن زالت. لم يبق من أثرها
سوى بضعة أقمار تدور في مدارات ثابتة، وبقي شيء سماوي أخير، بحجم القمر « تيتان »، هذا التابع الضخم الذي يضاهي كوكب عطارد حجماً، حبيس مسارٍ غائص باتجاه زحل.
وخلال غوصه البطيء نحوه، تعرض هذا الجسم السماوي لتأثيرات تثاقلية متنامية الشدة إلى أن حطمت أخيراً غلافَه الجليدي السميك الذي كان يغلف قلبه الصلب. تفتت الجليد عندئذ إلى عدد لا يحصى من الحطام انتشر بطول مسار القمر، حول الكوكب كله. سقط القلب المعرى في هذا الوقت على زحل. تركَّب الجليد في ذاك الحين على شكل سحابة أوسع وأثخن بكثير من الحلقات الحالية. ولكن، كما هو الحال بالنسبة للقرص الذي تكوَّن بالتكتل، كانت هذه الحلقات مع مرور الزمن مصدراً لمواد تتشكل منها أقمار جديدة تناءت فيما بعد نحو مدارات بعيدة. واليوم، ما بقي من الحلقات سيستمر في التفتت إلى أن يتلاشى كلياً.

المراجع :

عن « 2011 Science & Vie. Avril العلم والحياة » الفرنسية نيسان 2011 .

مجلة الأدب العلمي العدد التاسع  دراسات وأبحاث

0 comments: